الاعياد ظاهرة اجتماعية ودينية تتميز بها الأمم على مرالتاريخ والعصور فهي تحمل معاني كبيرة في وجدان الشعوب بغض النظر عن الانتماء الثقافي، والموروث الديني فنرى الشعوب والأديان تقدس أعيادها بشكل يفوق الحد والوصف، والمتتبع لمصدر هذه الأعياد ومنشؤها يرى أنها لا تحمل تلك الصفات الخارقة، التي جعلتها بالصورة التي هي عليه، اذاً ما هو السبب في تقديس هذه الأعياد من قبل الشعوب والأديان؟
لابد أن يكون هناك سبب قوي يحملونه في قلوبهم، واعتقد انه احترام المبدأ والشخصيات التي جاء باسمها هذا العيد، فالمسيحية بكل أقسامها لها أعياد مقدسة مثل عيد القيامة، وغيرها وكذلك اليهود والبوذيين، وكلها أعياد تقدس وتحترم وتقام لها الطقوس العبادية، أما نحن المسلمون فلنا أعياد نجلها ونحترمها ونقدسها لا لذاتها وإنما لمصدرها الإلهي، فهي أعياد أمر الله سبحانه وتعالى بتقديسها واحترامها والتقرب إليه سبحانه وتعالى فيها بالدعاء ومساعدة الفقراء، فأعياد المسلمين رغم قلتها إلا أنها أعياد إسلامية، تحمل من المعاني الكثير والكثير.
ولها في نفوس المسلمين الأثر الواضح، فهذا عيد الفطر وعيد الأضحى فهي أعياد يتقرب من خلالها المسلم لربه راجياً عفوه وغفرانه، ولكن هناك عيد آخر أعظم عند الله وعند رسوله وعند المسلمين بما يحمله من مميزات وصفات العيد الإسلامي، فهو لا يختلف عن الأعياد الإسلامية الأخرى من حيث الأهمية بل ربما يفوقها في بعض الخصوصيات، بما انه يمثل مرحلة انتقالية يتميز فيها المؤمن من المنافق، فلا طريق ثالث بين الحق والباطل فعلى المرء سلوك احد الطريقين، إما الحق وإما الباطل فإن سلك طريق الحق فهو من المؤمنين، وإن سلك طريق الباطل فهو من المنافقين وهم كثر في مجتمعنا الإسلامي، هذا العيد هو عيد الأعياد وأفضل الأعياد عند الله ورسوله والمسلمين.
لقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم (( يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره بنصب أخي علي بن أبي طالب علماً لأمتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم على أمتي فيه النعمة ورضي لهم الإسلام ديناً )).
ففي هذا اليوم الشديد الحرارة المصادف للثامن عشرة من ذي الحجة، بالقرب من الجحفة بناحية رابغ وتحديداً بغدير خم، وقف الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ليمتثل لأمر ربه بتنفيذ الأمر الإلهي المهم، الذي لا يستطيع إلا إن ينفذه وليعلنه للناس جميعاً وليبلغ الشاهد الغائب، يا ترى ما هو هذا الأمر الذي لا يمكن تأجيله بحال من الأحوال، ولماذا في هذا الوقت بالذات لابد انه امراً بغاية الأهمية، ومرتبطاً بمصير الرسالة ومستقبلها الذي ظل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم طيلة ثلاثة وعشرون سنة يبنى فيه مستقبل الأمة والرسالة الإلهية ويتحمل أقسى أنواع التعذيب، هو والذين معه ويتأذى من اجل ذلك من قريش وأحزابها، حتى قال ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت، في هذا اليوم المبارك نزل الوحي على الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بأمر الهي، لا يتحمل التأخير:
(( يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته))
انه أمر يجب أن ينفذ على وجه السرعة رغم معارضة المعارضين والمنافقين، الذين لا يتحملون أن يرى المسلمون النور لكي يقضوا عليهم في الظلام، وليس أمام الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن يمتثل لأمر ربه،لأنه وحي يوحى فما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا إن أمر الناس بالوقوف وعدم التحرك، ليسمعوا أمر الله سواء رضي من رضي أو عصى من عصى فلا مجال لمعارضة هذا الأمر، فهو أمر الهي ليس للرسول يد فيه، فالمعارض لهذا الأمر معارض لله ! ورسوله ومثواه جهنم وساءت مصيرا، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً، بعد أن حمد الله واثنى عليه فقال (( أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم، فإني لا ادري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا )) الخطبة ........ ثم أخد بيد علي عليه الصلاة والسلام حتى رئي بياض إبطيهما وعرفه الناس أجمعون فقال صلى الله عليه وآله (( أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال صلى الله عليه وآله وسلم إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه يقولها ثلاث مرات . (( اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وابغض من أبغضه وانصر من نصره وأخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار إلا فليبلغ الشاهد الغائب. والمتأمل في هذا الخطاب يلمس مدى أهميته العظمى، لأنه يعتبر المرتكز الأساسي والقاعدة التي سوف يسير عليها المسلمون بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بتوجيه من وصيه الإمام علي عليه الصلاة والسلام فالخطاب كان يحمل امرأ مهما، ومسؤولية عظيمة لا يمكن لأي شخص حملها إلا من ارتضى الله واختاره لهذه المهمة الصعبة، والإمام علي عليه الصلاة والسلام هو الشخص النموذجي المؤهل لحمل أعباء وهموم الرسالة، والحرص على نجاحها فأمير المؤمنين يتميز بمميزات فوق العادية، كيف لا وهو تلميذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي هو وحي يوحى علمه شديد القوى وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أعلمكم علي واقضاكم علي وهو باب مدينة العلم المتمثلة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو اخو رسول الله صلى الله عليه وآله لقول رسول الله صلى الله عليه وآله (( أنت مني بمنزله هارون من موسى )) فقد تلقى المؤمنين هذا الخبر وهذا الأمر الإلهي بقلوب مستبشرة فرحه، لأنهم لن يفتقدوا رسول الله صلى الله عليه وآله مادام هناك امتداد فعلي لرسول الله صلى الله عليه وآله، متمثل في وصيه وحامل رسالته أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام،هذا الاسم الذي ما برح يرعب الكفار والمنافقين من مجرد ذكر اسمه، فما بالك وقد أصبح مولى الناس أجمعين، فكان الأمر الإلهي كالصاعقة على المنافقين.
إن هذا اليوم المبارك هو خير مثال لتجسد الروح الإيمانية في قلوب المؤمنين، وابتعادها عن قلوب آخرين ملؤها الحقد والضغينة على من هو أفضل إنسان، بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذه الأرض، فمنهم من هنئه بإمرة المؤمنين بكل جوارحه وامتثال لأمر الله ورسوله وحبً في أمير المؤمنين (( يا علي لا يحبك إلا مؤمنولا يبغضك إلا منافق )) واعتبروه المكمل لمسيرة الأنبياء، من خلال أوصيائهم عليهمالصلاة والسلام، إما الطرف الأخر فقد قام مجبرا خوفا من الفضيحة، لتهنئة أميرالمؤمنين وبخخوا له وهنئوه بلسانهم، ولكن قلوبهم ملئ بنار الحقد والضغينة والنقص،ولكثرة هذه النار لم تقر في صدورهم فتلتلجت حتى خرجت لتحرق المسلمين بجهلها، بعدرسول الله صلى الله عليه وآله.
أن عيد الغدير عيد كبير يحمله المؤمن في قلبه، لو يعرف المسلمون أهمية هذا العيد لجعلوه من أعظم أعياد المسلمين قاطبة، بكل مذاهبهم وفرقهم ولكن للأسف هناك الأيدي الخبيثة والأقلام الماجوره التي تحاول جاهدة، بكل ما أوتيت من قوة طمس فضائل هذا اليوم العظيم الذي لم يأتي رغبة من احد من البشر، إنما جاء امراً الهي لينفذه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه من المسلمين، حتى يكمل الدين وتتم النعمة على الناس لكي لا يكون هناك حجة من بعد ذلك إمام الله تعالى:
(( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )).
إن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله تحمل المشاق لكي يبلغ رسالة ربه كاملة، من غير نقصان لأنه خاتم الأنبياء والرسل وحامل شريعة القران، فلابد ان تكون هذه الرسالة شاملة وكاملة وتمثل الدستور الإسلامي والحياتي وكل ما يحتاج إليه البشر، ولكن لن يكتمل هذا الدين وهذا الدستور وهذه الشريعة، التي تحمل من خلالها الرسول صلى الله عليه وآله اقسي المحن، لكي يوصلها للناس جميعا إلا بولاية علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام، إن هذا اليوم المبارك وهذا العيد الأغر لهو يوم مبارك يتقرب فيه العبد لربه بالطاعات وعمل الخيرات ويشكره على هذه النعمة التي من الله بها عليه ان أكمل له الدين وأتم له النعمة، فيجب على المؤمن والحال كذلك ان يعيش تجليات هذا اليوم المبارك، وهذا العيد عيد الأعياد وعيد الولاية بكل إبعاده ويستغرق في شكر النعم التي انعم الله بها عليه، فلولا هذا اليوم المبارك لما عرف المرء طريقه في ظلمات التيه والجاهلية الجهلاء، وخير ما يتقرب به العبد لربه في هذا اليوم المبارك هو الصوم (( من صام يوم ثمان عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً )) فقد ورد استحباب صوم يوم عيد الغدير المبارك في الثامن عشرة من ذي الحجة رغم تشكيك المشككين في صوم هذا اليوم المبارك ولكن الشمس لا تحجبها الغيوم، فعيد الغدير ليس عيداً للشيعة فقط بل للشيعة والسنة معاً بل هو عيد للمسلمين جميعاً، فالرسول الأعظم صلى الله عليه آله وسلم نبي ورسول للبشرية جمعاء وليس لجنس ونوع واحد من البشر، ولابد ان يكون وصيه وحامل رسالته وصي ً وإمام للناس جميعا، وأمير للمؤمنين ذلك اللقب الخاص بعلي ابن أبي طالب فقط لا يتسمى احد بعده بأمير.
ومن ذلك يتضح لنا ان هذا العيد هو عيد الأعياد، وهو أفضل أعياد المسلمين، فسلام عليك يا أمير المؤمنين يا من حملت أعباء الرسالة وهمومها وتحملت المشاق فسلام عليك يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيا يا شهيد المحراب .
الأربعاء ديسمبر 16, 2009 3:03 pm من طرف 
موضوع: عيد الغدير في الإسلام 
عبدالله الياباني