دخلت قبيلة بني أسد في الإسلام في السنة التاسعة للهجرة, وفي ذلك العام أصاب القبيلة قحط شديد, فقدم عدد كبير منهم على النبي (ص) بالمدينة, وطلبوا منه أن يعطيهم من مال الصدقة, وأخذو يمنون عليه بإيمانهم قائلين : جئناك بالأثقال والعيال والذراري, وقد آمنا بك وصدقناك, ولم نقاتلك كما قاتلك غيرنا, فأعطنا من مال الصدقات. فأنزل الله في شأنهم قوله تعالى : ((قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم...)).
فالآيات الكريمة تنفي عن بني أسد صفة الإيمان التي ادعوها, ولكنها أثبتت لهم صفة الإسلام.
فما الفرق بين الإسلام والإيمان؟ وما العلاقة بينهما وبين الإحسان؟
الإسلام والإيمان :-
يعمل في بلادنا فئات من الناس من جنسيات مختلفة, ليسوا مسلمين, فلو فرضنا أن أحد هؤلاء يعمل لديكم في متجر أو شغال(ة) تعمل في منزلكم, ولاحظ هذا الشخص رجلاً كان أم امرأة, من خلال معاملتك الحسنة معه, والرفق به والعطف عليه, وما يسود المسلمين من روح التحاب والتعاون, ماجعله يحب الإسلام, فأراد الدخول فيه, فما المطلوب منه حتى يصبح مسلما؟
لاشك أن النطق بالشهادتين : (أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً....إلى آخره)
يكفي من غير المسلم في بداية الأمر ليصبح مسلما, ثم نطلب من أن يؤدي العبادات العملية التي أمر الله سبحانه وتعالى بها المسلمين, فمن فعل ذلك أصبح مسلماً فعلا.
لكن المسلم الذي يطمح في المزيد من الأجر والثواب, لايتوقف هنا عند أداء هذه العبادات من الناحية الشكلية, وإنما يتفاعل معها, فيؤدي حبا لله وطاعة له, أملاً في ثوابه, وخوفا من عقابه, حتى يصبح ذلك عقيدة راسخة في قلبه, يدافع عنها ويضحي من أجلها, فإن وصل إلى هذه المرتبة العالية أصبح مؤمناً.
ولكل من الإسلام والإيمان مبادئ وأركان يقومان عليها, فأركان الإسلام خمسة كما نعلم, وأركان الإيمان ستة.
الإحسان :-
وهنالك مرتبة أعلى وأسمى من المرتبتين السابقتين(الإسلام والإيمان), وهي مرتبة عالية جدا, وتسمى بالإحسان.
فماذا تعني هذه المرتبة؟ وما فضلها؟
الإحسان مأخوذ في اللغة: من الحُسن, وهو الإجادة في العمل إلى درجة الإتقان.
وفي الشرع يعني: تحسين وإجادة كل مايصدر عن المؤمن, في ظاهره وباطنه, من قول أو فعل أو صفة أو نية.
وتحسين الظاهر يكون بأداء العبادات على وجه سليم ومتقن, بأركانها وشروطها. وتحسين الباطن يكون بالإخلاص الكامل لوجه الله تعالى, في أداء العبادات حباً لله سبحانه وتعالى, وابتغاء مرضاته.
والإحسان مطلوب في كل عمل, وهو مرتبة أعلى من مرتبة الإيمان, وليس كل المؤمنين يوفقون للوصول إليها.
وقد عرف النبي (ص) الإحسان بعبارة موجزة, كما ورد في حديث جبريل عليه السلام, حينما أتاه بصورة رجل, وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان, فأجاب بقوله: (الإحسان أن تعبد الله وكأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك). أي أن المحسن يصل في عبادته لربه, إلى درجة يحس بها أن الله وحده هو المستحق للعبادة, مستحضراً قربه منه وإقباله عليه, وأنه بين يديه كأنه يراه بعينه غير ملتفت لغيره, ولا يريد بعمله سواه, وهذه المرتبة لايصل لها إلا القلة من المؤمنين.
والمحسنون يفوزون بمحبة الله ورحمته, والآيات القرآنية في ذلك كثيرة منها قول الله سبحانه وتعالى: ((وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)).
وقول آخر أيضاً: ((إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين)).