س: يشكل الرفاق أحد عناصر البيئة الفائقة التأثير على تكوين شخصية الطفل، فهل يفترض بالأهل التدخل في اختيار هؤلاء الرفاق، أم يفترض كما يرى البعض، ترك الولد يعاشر من يشاء حتى يختبر الحياة أكثر ؟
ج: لعل أخطر دور تلعبه البيئة في تربية الطفل هو عبر رفاق السوء. وسبب ذلك، أن للرفاق على الإنسان تأثيراً كبيراً، الأمر الذي يضع الطفل أثناء مصاحبة هؤلاء الرفاق في خطر، باعتبار أن حجم التأثير السلبي لأي سلوك أو فكرة يتخذها الرفاق، قد يكون كبيراً بحيث تصعب مقاومته من قبل الطفل نفسه.
ولكن هذا لا يعني كبح حرية الطفل في مخالطة الرفاق والأصحاب، بل يؤكد ضرورة أن نرسِّخ فيه القناعة ببعض القيم والمثل، قبل أن نترك له حرية خوض تجربته الخاصة. إنّ علينا ألا نحاصر الطفل ونخنقه بحيث نكون معه دائماً عندما يلعب ويلهو، أو عندما يسبح أو عندما يخرج مع رفاقه، بل علينا أن نعمل على تحصينه، بحيث نزرع في داخله من القيم الروحية والأخلاقية ما يستطيع أن يقاوم به التأثيرات المضرّة، إضافةً إلى توفير الظروف الاجتماعية الملائمة التي تجعل الطفل ينسجم بشكل عفوي مع من نحب ونرغب من الرفاق. نحن لسنا مع إلغاء حرية الطفل أو إرادته، لكننا مع تحصينه، بحيث نزوده ببعض العناصر التي تحمي إرادته من الانحراف، وتصون حريته من التحول إلى فوضى يختل بها نظامه الحياتي. وفي كل الأحوال، لا يجب أن نترك الطفل وهو يمضي وقته مع رفاق السوء بحجة حريته في الاختيار.
صناعة شخصية الطفل
إن تجارب الطفولة تساهم في صياغة شخصية الطفل الإنسانية قبل أن يصطدم بالواقع، وعندما يمارس الطفل مع أترابه ألعاب الطفولة، فيلاكم الأطفال الآخرين ويلاكمونه، ويصرعهم ويصرعونه، وينافسهم وينافسونه، ويشاغب معهم ويشاغبون معه، فإنّ ذلك يكسبه تجربة غنية تساهم إلى حد بعيد في رسم بعض معالم شخصيته.
لكن ليس للشارع، برأيي، خصوصية إلا في كونه بيئة متنوعة قريبة من الطفل، فإذا منعنا الطفل منه، فإن هناك بدائل أخرى كفيلة بملء فراغ الطفل بشكل أفضل وأجدى، هناك ساحة الملعب في المدرسة، وميدان الحدائق العامة، ومدن الألعاب وغيرها، وفيها يمارس الطفل لهوه الهادف في جوٍّ صحي وسليم.
إن الخطر الذي يمكن أن يسبّبه الشارع ليس في كونه زقاقاً، لكنه في وجود مجتمع متنوع قريب من الطفل، فيه كثير من الطحالب والأصباغ الفاسدة التي قد تشوه سلوكه وتساهم في انحرافه، لذلك يجب أخذ جانب الحذر، والبحث عن البدائل التي يكتشف من خلالها حقائق الحياة .
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله