متى نستعين بالخادمات؟!
س: ماذا تقولون حول ظاهرة استخدام المربيات والخادمات في المنازل؟
ج: إن ما تعارف عليه الناس اليوم من الاستعانة بالخادمات أو المربيات، يأتي كحّلٍ لمشكلة الأم العاملة، ولمشكلة الأب القاصر عن تلبية متطلبات منزله، وليس المراد منه حل مشكلة الولد.
إن انشغال الأم عن الطفل وتسليمه للخادمات اللاتي لا علم للأسرة بهن من أين أتينَ، وما هي طبيعة تربيتهن، وما هي أخلاقهن وعقيدتهن، قد يمثل خطراً على الطفل، لأن الخادمة سوف تزرع في نفسه الكثير من السلبيات التي تحملها، في الوقت نفسه الذي يُحْرَم فيه من حنان أمه وعاطفتها، لأن التربية ليست مجرد تعليمات تصدر إلى الطفل، بل هي عاطفة يستشعرها في حضن أمه مما يحيطه بفيض عاطفي وروحي يضفي عليه لوناً من الأمن النفسي، فيجعله مستعداً لقبول ما يُطرح عليه. إن الاستعانة بالخادمات اليوم لا يرتبط بأي مصلحة تربوية للطفل، إلاّ إذا فرضتها ظروف الأم الصحية أو الاجتماعية التي تحملها على ذلك.
في حالات خاصة جداً، قد تحتاج الأم إلى مربية تؤازرها في تربية الطفل، عندما يكون الولد بحاجة إلى رعاية لا تملك الأم تأمينها له، وهكذا، فإن الاستعانة بالمربية قد تكون مبررة فقط في ظروف الحاجة الملحة، كفقدان الأم مثلاً، بحيث تكون المربية أماً بديلة للطفل، أو في حال كان وضع الأم الصحي صعباً إلى درجة تشلها عن رعاية الطفل عملياً، أو عندما يبلغ الطفل مرحلة الحاجة إلى التعلّم وكانت إمكانات الأم لا تكفي في تحقيق ذلك.
المعنى الإنساني للأمومة
س: يرى البعض أن الاستعانة بالخادمة أو المساعدة أمر لا يضر بالطفل، فوجود الخادمة يُريح الأم من أعباء كثيرة، وبالتالي يُعطيها المجال لأن تقضي وقتاً نوعياً مع طفلها، فما رأيكم في ذلك؟
ج: المشكلة الأساسية التي يحملها موضوع كهذا، هي أن المربية أو حتى الخادمة تأخذ غالباً الدور الأول، والأم تأخذ الدور الثاني. وتنتفي هذه المشكلة، برأيي، عندما تأخذ المربية دور المساعد، بحيث يبقى دور الأم هو الدور الأساس لا العكس. عندما نقرأ الآيات والأحاديث التي تتناول الأمومة، نشعر ولو بطريقة إيحائية، أن الإسلام يركّز على أهمية علاقة الأم بالولد، ويعطي لتربيتها وتضحيتها من أجله طابعاً قدسياً {ووصّينا الإنسان بوالديه حملتْهُ أمّه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير} (لقمان:14). كما لو كان يوحي بأن دور الأم هو الدور الأساسي في تربية الطفل. ولا مانع من وجود عنصر مساعد للأم كوجود مربية تملك ثقافة الوسائل والمفردات التي ينبغي أن تُلقى في نفس الطفل أو ما أشبه ذلك.
إننا ننكر أن يكون دور الأم هامشياً في حياة الطفل، كما نجد في بعض المجتمعات الحديثة التي قد لا يعرف فيها الطفل أمه إلا عبر زيارات أو ساعات محدودة تقضيها معه وهي مأخوذة بمشاغلها الاجتماعية الخاصة أو حتى العبثية الخاصة.
لقد أثّرت هذه الصورة للمرأة المعاصرة على مجتمعاتنا الإسلامية، بحيث أصبحنا نجد أمهات يكرهن الأمومة، ويرفضن تكرار تجربتها، باعتبار أنها تفقدهن حرياتهن، إلى درجة الامتناع عن الزواج، لأنهن يجدن في الزواج نوعاً من حجز حريتهنّ، ويستعضن عن الزواج بالعلاقات العابرة التي تشبع رغباتهن دون أن تلقي عليهنّ التزامات، بحيث تصبح علاقتهن بالرجل علاقة لهو وعبث، لا علاقة تنطلق من عمق حاجتهن الإنسانية إلى الشريك وإلى إشباع غريزة الأمومة. ومما لا شك فيه، أن في ذلك انحرافاً يدمّر الحياة.
لذا نحن نعتقد، أن اعتماد الأسرة على الخادمات، بحيث تقوم الخادمة بالجهد كله لتتفرّغ الأم لنفسها، ظاهرة تساهم في تدمير المعنى الإنساني للأمومة، إضافةً إلى إساءتها إلى الطفل. إن لشعور الأطفال بأنَّ أمهم هي التي تطبخ الطعام وهي التي تطعمهم وترعاهم وترعى البيت، تأثيراً بالغاً في نفسيتهم، ولاسيما الفتاة التي تتقمص من خلال حركة أمها في البيت صورة دورها المستقبلي كزوجة وأم.
لذلك، فإنني أدعو الأمهات إلى الإبقاء على دورهن كأمهات في تربية الطفل، بحيث لا تُعطى الخادمات أكثر من دور الخدمة والتنظيف وإخراج الولد للفسحة، وبحيث لا تصبح الأم على الهامش وتصبح الخادمة هي الأصل، بل يبقى دور الأم هو الدور الأساس والأصل، ويبقى دور الخادمة هامشياً، وإذا ما انشغلت الأم عن الولد بحكم عملها، عوّضته عما افتقده من رعاية في ساعات غيابها ببذل جهد أكبر عند وجودها معه، أو أن تحسن اختيار الخادمة، بحيث تكون قادرة على تقمص دور الأم في غيابها.
الحضورالمعنوي والمادي للأم
س: تؤكدون وجود الأم الدائم حول طفلها، ماذا عن الحضور المعنوي، يُقال إن حضور الأم المعنوي مع أولادها أهم بالنسبة إليهم من حضورها الجسدي داخل البيت، ما رأيكم في ذلك؟
ج: لماذا يعبِّر الناس عن عواطفهم تجاه الآخرين بالمصافحة والعناق والتقبيل؟ لأن الكلمات وحدها لا تكفي، وكأن الإنسان بحاجة إلى الاحتضان الجسدي ليتحسّس المشاعر الطيبة التي يحملها الآخر له، وكأن اللمس يوصلها إليه. ولا شك في أن الطفل يحتاج إلى الاحتضان الجسدي أكثر من الراشد، سواء تمّ ذلك في حالة الإرضاع أو حالة البكاء أو في أي وضعية أخرى يشعر معها بالحاجة إلى الرعاية والهدهدة وما إلى ذلك، إن هذا الاحتضان هو الذي يُشعر الطفل بالأمن، ويعطيه الإحساس أنه ليس شيئاً معلَّقاً في الهواء، أو تائهاً في الفضاء، بل إنه شخص منتمٍ ومهم ومحبوب، باعتماده على شيء مادي يستند إليه، تماماً كما يستند الإنسان إلى الجدار، أو إلى سفينة إذا كان في عرض الماء.
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله