* ما هو هدف التربية في الإسلام؟
التربية وسيلة من وسائل بناء الشخصية الإنسانية لتحقيق أهداف الإنسان الكبرى في إطار الفهم الإسلامي. وهدف التربية في الإسلام هو إعداد المسلم لتحقيق كل الأهداف الإسلامية التي وضعت بين يدي الإنسان، سواء على مستوى انفتاحه على الله، أو انفتاحه على الناس أو على نفسه وما إلى ذلك، وذلك بالعبادة والمعرفة. إنّه باختصار إعداد الإنسان المسؤول عن الكون والحياة في علاقته بالله وبالإنسان وبالحياة.
وعلى الرغم من أن الإنسان خُلِقَ ضعيفاً، إلاّ أنّ لديه قابلية الأخذ بالقوة، وكذلك إذا كان سريع الحركة والانفعال فإنّ لديه قابلية الوصول إلى التأني وما إلى ذلك... فدور التربية إذن هو خلق حالة من التوازن في شخصية الإنسان بمختلف أبعادها الجسدية والنفسية والروحية والذهنية والاجتماعية، وأن تنمي معرفته بالنشاط الذي ينسجم مع مستواه الفكري، وأن تزرع القيم والمفاهيم داخل شخصيته، بالمستوى الذي يتحول فيه الطفل إلى تجسيدٍ حيّ لتلك القيم...
إن هدف التربية هو إعطاء القيم وتجسيدها في الإنسان، ونقل القيم من عالم المفاهيم المجردة إلى عالم الحركة الحياتية، بحيث يتحول الإنسان نفسه إلى قيمة متجسدة، بدرجات متفاوتة في التجسيد تبعاً لتفاوت المؤهّلات، وهذا ما يمكن أن نفهمه من حديث إحدى زوجات النبي(ص) عن أخلاق الرسول على سبيل المثال، حيث تقول: "كان خلقه القرآن"، بحيث إنه تحول إلى قرآن متحرك. فدور التربية إذاً هو أن تؤصل القيم في حركة الإنسان في الواقع.
* تمارس عملية التربية عبر العصور والأمكنة بأساليب متعددة، منها المتشددة، ومنها المتساهلة، ومنها المتسلطة، ومنها الحازمة... أين الإسلام من هذه الأساليب؟
من الصعب جداً أن نضع خطاً بيانياً واحداً للتربية، لأن رسالة التربية هي أن نصلح ما يفسد من الطفل، أو أن ندخل الفكرة ـ القيمة ـ إلى وجدانه، بحسب ما تستوعب إدراكاته وأحاسيسه، لذلك فإن هذه العملية قد تحتاج إلى ما يشبه العقاقير لأي مرض كان، وقد تحتاج إلى ما يشبه العملية الجراحية، بحيث يدور الأمر بين أن نترك الطفل نهباً للعلة التي تهدد شخصيته أو حياته، أو أن نقسو عليه بطريقة مدروسة لتخليصه منها.
فنحن إذا ما أردنا أن ننشئ إنساناً سوياً، لا بد لنا من أن نتعامل مع المفردات السلبية الموجودة داخل شخصيته بحسب حاجتها إلى الرفق أو إلى العنف، فلا يستعجل المربي منا العنف، لأن مزاجه لا يصبر على متابعة التجربة اللينة أو السلمية، إذا صح التعبير، بل يستنفد كل التجارب إذا لم يكن لهذا الاستنفاد، ولما يستغرقه من وقت طويل، تأثير سلبي على عملية التقويم.
لذلك نقول: إن الأصل هو عدم القسوة، ولكن من الممكن أن نستعمل العنف من موقع الرحمة، لا من موقع حالتنا المزاجية التي تختزن الميل إلى القسوة. إننا نفرق بين الأسلوب الذي يختزن العنف على اختلاف درجاته، وبين القسوة، فالقسوة حالة نفسية تدفع الإنسان إلى الاعتداء على الآخرين واضطهادهم، بينما العنف هو خطة يراد من خلالها إصلاح ما يفسد من الإنسان، أو تعميق قيمة ما في نفسه، وهو بذلك قد يحمل مصلحة للإنسان، تماماً كالعمليات الجراحية التي تحمل إليه الصحة.
وإذا درسنا المسألة على ضوء الواقع، لا نجد الحياة رفقاً كلها أو عنفاً كلها، بل إن للرفق موقعاً فيها وللعنف موقعاً آخر. وفي هذا الصدد نستذكر قول المتنبي:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلى
مضرٌّ كوضع السيف في موضع الندى
لذلك، فالأسلوب التربوي هو عنوان يتحرك تبعاً للحالة الداخلية أو الخارجية التي يعيشها الطفل، والتي تتحدد على ضوئها حاجة العلاج إلى التدخل لتقويم الحالة أو إصلاحها أو ترويضها، ذلك أن الأطفال يختلفون فيما بينهم، فهناك الذي لا يمكن إصلاح أمره بالرفق دائماً أو بالعنف دائماً، وهناك من يحتاج إلى الضغط كي يهدأ ويستقر.
وعليه، فنحن ضد التسلط وضد القسوة، لأن التسلط يمثل حالة قهر، ولأن القسوة تمثل حالة عدوان. إننا نفرق بين السلطة والقسوة والعنف المدروس، والأصل في الإسلام هو الرفق.
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله