رسائل النبي الى أهل البحرين
الوثائق السياسية للعهد
النبوي فيما يتعلّق بالبحرين
تمهيد
يدهشنا المؤرخون، في موضوع صلة البحرين التاريخية (الأحساء والقطيف وأوال) بالإسلام، بحديثهم عن قِـدَم تلك الصلة، وعن قوّتها واتساعها. كيف يمكن لمنطقة في أقصى شرق الجزيرة العربية أن تتأثر بالدعوة الإسلامية المنبثقة في أقصى الغرب، وأن تعلن اسلامها عن اقـتـناع (بدون حرب) قبل ان تسلم المناطق القريبة من المدينة المنورة بما فيها مكة نفسها، وقبائل وسط الجزيرة العربية؟.
يشير ابن حجر في إصابته الى أن صلة قبائل عبد القيس القاطنة في البحرين يومئذ بالرسول كانت قبل الهجرة، أو هي في عام هجرة النبي عليه السلام الى المدينة، حينما بعث المنذر بن عائذ العبدي (المعروف بالأشج) ابن أخته الى مكة ليقابل الرسول ويتأكد من نبوته، فعاد الى البحرين مسلماً، وأسلم الأشج وكتما اسلامهما.
وتهيأ دخول المنطقة للإسلام في السنة السادسة للهجرة، حينما بعث الرسول الصحابي الجليل العلاء بن الحضرمي الى المنذر بن ساوى العبدي الذي كان حاكماً على البحرين بإسم الفرس، وقد دفع العلاء بكتاب من النبي اليه، وتقول المصادر التاريخية أن المنذر تردد، فقال له العلاء: (يامنذر إنك عظيم العقل في الدنيا، فلا يصغرنّ بك عن الآخرة، إن المجوسيّة شرّ دين، وليس فيها تكرم العرب، ولا عظم أهل الكتاب..... ولست بعديم رأي، فانظر لمن لا يكذب ألاّ تصدقه، ولمن لا يخون ألاّ تأتمنه، ولمن لا يخلف ألاّ تثق به، فإن كان أحد هكذا فهو هذا النبي... الخ).
فوافق المنذر على ذلك وأعلن إسلامه: (قد نظرت في هذا الذي بيدي من الملك، فوجدته للدنيا، ونظرتُ في دينكم فوجدته للدنيا والآخرة، فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الموت). وقد أسلم المنذر وعرض الإسلام على السكان فمنهم من قبل ومنهم فضل دفع الجزية، وكتب الى الرسول كتاباً جوابياً سنأتي الى نصه.
في السنة التالية، السابعة للهجرة، وفد الى المدينة المنورة ـ وبأمر من الرسول ـ مجموعة من شخصيات المنطقة المعروفة تاريخياً بإسم الببحرين لمبايعته عليه السلام برئاسة الأشجّ، وقبل أن يصلوا قال رسول الله (ص): (ليأتينّ ركب من المشرق لم يكرهوا على الإسلام). أو (سيطلع عليكم من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق). وحين وصلوا قال عليه السلام: (مرحباً بالقوم لا خزايا ولا ندامى) ثم دعا لهم: (اللهم اغفر لعبد القيس). وأوصى أصحابه بهم: (يا معشر الأنصار أكرموا إخوانكم فإنهم أشبه الناس بكم في الإسلام، أسلموا طائعين غير مكرهين ولا موتورين).
وبعد عامين (التاسعة للهجرة) جاء وفد البحرين الى الرسول برئاسة الجارود العبدي لذات الغرض: إعلان الولاء والبيعة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
ما يهمنا أن صلة البحرين بالإسلام قديمة، إذ كانت ثاني منطقة تدخل الإسلام بعد المدينة، وكان مسجدها (في هجر/ الأحساء) الثاني الذي تقام فيه صلاة الجمعة في الإسلام، بعد مسجد الرسول، وهو مسجد جواثى، الذي كانت أطلالة ظاهرة للعيان حتى وقت قريب.
وقد كان لدخول البحرين الإسلام أثرٌ كبير في نشر الدعوة الإسلامية، خاصة لما كانت تتحلّى به من مكانة اقتصادية كبيرة، حيث تتحدث كتب التاريخ والسير عن أموال ضخمة وردت الى مدينة الرسول من البحرين.
ولكن البحرين التي حافظت على أهميتها في عهد الرسول والخلافة الراشدة، بدا وكأنها قد تقلصت مكانتها بفعل توسع الفتوحات الإسلامية، حيث سيطر المسلمون على مناطق أغنى منها بكثير، ثم إن هجرة سكانية مكثفة شملت كل أرجاء الجزيرة العربية المسلمة الى المناطق المفتوحة، وكان حجم الهجرة من البحرين كبيراً جداً خصوصاً الى الكوفة والبصرة اللتان مصرتا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الأمر الذي فرّغ المنطقة من سكانها بشكل كبير.
وقد تحولت البحرين في العهدين التاليين: الأموي والعباسي ـ رغم أنها أخصب أماكن الجزيرة العربية ـ الى مجرد منفى للمعارضين، دلالة على ضعة منزلتها ـ هي واليمامة ـ عند الخلفاء يومئذ، كما يقول علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر.
وكما دلّت الكثير من الروايات التاريخية على غنى منطقة البحرين، وأشارت الى مكانة المنطقة المسلمة حديثاً بالنسبة لحاضرة الإسلام في المدينة، فإن مكاتيب الرسول الى حكام البحرين وأهلها تؤكد على تلك الأهميّة. هذه المكاتيب، أو لنقل ما وصلنا منها، بحاجة الى دراسة متأنيّة، ولقد فعل خيراً محمد حميد الله أن جمع مثل هذه الرسائل في كتاب حمل عنوان: مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة (دار النفائس/ بيروت/ 1403 ـ 1983 ). فقد كان مجرد جمعها أمراً بالغ الأهمية، ثم إنه عمد الى تحقيق مصادرها، ووضع صوراً لبعض تلك المكاتيب. وقد اشتهرت ثلاث رسائل بعث بها رسول الله الى هذه المنطقة، ولكن حجم المكاتيب أكثر من هذا الرقم. فيما يلي مجموع ما هو معروف من تلك الرسائل:
(1)
الى المنذر بن ساوى العبدي
عامل كسرى على البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله،
الى المنذر بن ساوى،
سلام على من اتبع الهدى، أما بعد:
فإني أدعوك الى الإسلام، فأسلم تسلمْ يجعل الله لك ما تحت يديك.
واعلم أن ديني سيظهر الى مُنتهى الخفّ والحافر.
(2)
رسالة أخرى الى المنذر
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله الى المنذر بن ساوى:
سلام عليك. فإني أحمد الله إليك الذي لا إله غيره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإني أُذكّرك الله عزّ وجلّ، فإنّه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، وإنه من يُطع رُسُلي ويتّبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي. وإنّ رُسُلي قد أثنوا عليك خيراً. وإني قد شفعتك في قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه. وعفوت عن أهل الذنوب، فاقبل منهم. وإنّك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك. ومن أقام على يهوديّته أو مجوسيّته فعليه الجزية.
(3)
مكتوب المنذر الى النبي عليه الصلاة والسلام
أما بعد يا رسول الله: فإني قرأتُ كتابك على أهل بحرين، فمنهم من أحبّ الإسلام وأعجبه ودخل فيه، ومنهم من كرهه. وبأرضي مجوس ويهود، فأحدث في ذلك أمرك.