التربية هي من أهم الأمور في تثقيف الإنسان وتهذيبه وتأديبه على الوجه الصحيح، لأنها أساس كل فضيلة، ودعامة كل منقبة.
وأول شيء يحتاج إليه في التربية هو اختيار المربي الكامل العامل بالدروس التي يلقيها على من يرد تربيته، ولذلك ترى الأمم الناهضة ينتخبون لتربية ناشئتهم من يرون فيه الكفاءة والمقدرة، من ذوي الأخلاق الفاضلة والصفات الكاملة، علما منهم أن الناشئ يتخلق بأخلاق مربيه، ويتأدب بآدابه مهما كانت.
ولقد كانت نشأة هذه الطاهرة الكريمة، وتربية تلك الدرة اليتيمة، زينب (عليها السلام)، في حضن النبوة, ودرجت في بيت الرسالة، ورضعت لبان الوحي من ثدي الزهراء البتول (عليها السلام) وغذيت بغذاء الكرامة من كف ابن عم الرسول (عليه السلام)، فنشأت نشأة قدسية، وربيت تربية روحانية، متجلببة جلابيب الجلال والعظمة، متردية رداء العفاف والحشمة، فالخمسة أصحاب العباء (عليهم السلام) هم الذين قاموا بتربيتها وتثقيفها وتهذيبها، وكفاك بهم مؤدبين ومعلمين.
نعم، لقد نشأت السيدة زينب (عليها السلام) في حجر أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) وتربت على يديه، وتثقفت بثقافته حتى بلغت أشدها، وعندها اشتهرت من بين نساء قريش، ومخدرات بني هاشم، وبنات آل عبد المطلب، بكثرة العبادة والزهادة، وبتمام الحياء والعفة، وبوفور العقل والحكمة, وبكمال الأخلاق والآداب، وبنهاية المهابة والجلالة.
بل انها (عليها السلام) أصبحت تمثل وبجدارة مليكة العرب والعجم السيدة خديجة الكبرى (عليها السلام) ومليكة الأنبياء فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ولذلك كان أبوها أمير المؤمنين (عليه السلام) يكن لها غاية الاحترام والتبجيل، حتى أنها إذا أرادت التشرف بزيارة جدها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت تتشرف ليلاً وذلك بعد أن يأمر أبوها أمير المؤمنين(عليه السلام) بإطفاء اضوية المسجد، وكان يصحبها هو وأخواها الإمامين: الحسن والحسين (عليهما السلام) ذهاباً وإياباً.
وجاء في بعض كتب التاريخ وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: (أن الأشعث بن قيس الكندي ـ الذي كان هو أحد زعماء كندة ورؤسائها ـ خطب السيدة زينب بنت علي(عليه السلام) من أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) فتغير(عليه السلام) من ذلك وقال: كيف تجرأت على خطبة السيدة زينب، مع أنها شبيهة جدتها خديجة الكبرى، وربيبة العصمة، ورضيعة ثدي الإيمان، ومثلك ليس كفوا لها، ولا أهلا لأن يكلمها، كيف وهي خلف الزهراء البتول (عليها السلام).