إن مسألة حذف البسملة، من المسائل التي هي من موارد الاختلاف بين بعض فرق المسلمين.. إذ نلاحظ أن البعض عندما يقرأ السورة، وكذلك الحمد في الصلوات؛ فإنه يحذف البسملة من أول السور.. فما هو الموقف الصحيح من هذه القضية؟..
إن مسألة البسملة، من الأمور التي هي من سمات الإنسان؛ المتعبد الموحد لله عز وجل.. وقد جاء في الحديث الشريف عن النبي (ص) أنه قال: (كل أمرٍ ذي بال، لم يُذكر بسم الله فيه.. فهو أبتر) أي ناقص، لأن هذا العمل لا صلة له بالله عز وجل.. واالإنسان المؤمن عندما يقوم بأي عمل من الأعمال، فإنه يقول: أبدأ هذا العمل ببسم الله.. فيربطه بالله ولو إدعاءً، ولو تقولاً.. والله عز وجل يرضى منه بذلك.
إن الإنسان عندما يأكل الطعام، ومن منا لا يأكل الطعام بشهوة البطن؟.. ومع ذلك تأتي الروايات وتؤكد، على أنه لا بد من التسمية -طبعاً لا بدية استحبابية قبل الطعام- فالشارع المقدس يرضى منا هذا الموقف -ولو كانت الدوافع مسائل أخرى- وهو أن يظهر الإنسان بمظهر المتذكر لربه.. ويقول أهل المعرفة: إن أي تصرف أكلي أو شربي، أو فعلي، أو ركوبي، أو أي عمل.. إذا لم يُبدأ فيه ببسم الله؛ فإنه نوع من أنواع التصرف في ملك المولى، من دون استئذان.. فمثلا: عندما يدخل الإنسان مكانا، وهناك طعام لشخص، فإنه لا يأكل الطعام إلا بعد استئذان صاحبه.. وهذا الطعام، وهذا الوجود، والأرض وما عليها، هي ملك لله عز وجل.. فإذا أردت أن تأكل، وتشرب، وتركب الدابة.. فقل: بسم الله!.. أي يارب استئذنك بهذه العبارة، والله تعالى أجلّ من أن يشترط شروطا قاسية بعد البسملة، فالبسملة تكفي للاستئذان من المولى.
إن في روايات أهل البيت -عليهم السلام- هناك تأكيداً شديداً على مسألة البسملة، في كتاب الله عز وجل.. أليست السورة من الأمور التي هي ذي بال؟.. وليس هذا أقل من الشراب والطعام؟.. فلماذا نحذف هذه الآية العظيمة من كتاب الله عز وجل؟.. إن الإمام الصادق عليه السلام -أئمتنا قلما عبروا بهذه التعابير، إلا في مواطن البدع، وفي مواطن حذف ما كان في الدين، أو في مواطن إدخال ما ليس في الدين- يقول: (ما لهم -قاتلهم الله- عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله، فزعموا أنّها بدعة إذا أظهروها، وهي {بسم الله الرّحمن الرّحيم})؟!.. وعن الباقر عليه السلام يقول: (سرقوا أكرم آية في كتاب الله {بسم الله الرحمن الرحيم}، وينبغي الإتيان به عند افتتاح كل أمر عظيم أو صغير ليبارك فيه).. فإذا أردت المباركة من رب العالمين، فابدأ ببسم الله عز وجل.. وعن الرضا (ع): (إنّ {بسم الله الرحمن الرحيم} أقرب إلى اسم الله الأعظم، من سواد العين إلى بياضها).. ولهذا يقول الباقر عليه السلام بأنها أعظم آيه من كتاب الله عز وجل.. حتى الروايات المنقولة من أهل البيت، عن النبي (ص) تؤكد -وهم أدرى بما في البيت- أن النبي (ص) كان يقرأ البسملة، ويعدها آيه من كتاب الله عز وجل.
ومن الغريب أن هذا المعنى وارد في كتب عامة المسلمين، ففي كتاب الدارقطني عن أبي هريرة يقول: قال النبي (ص): (إذا قرأتكم الحمد، فاقرؤا بسم الله الرحمن الرحيم؛ فإنها أم القرآن، والسبع المثاني.. وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها).. هنا بالنسبة لسورة الحمد.. وفي صحيح مسلم، عن أنس، قال النبي (ص): (أُنزل عليَّ آنفا سورة.. فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم).. هنا لم يخصص بسورة الحمد.. وكذلك عن أبي داود، عن ابن عباس، قال: (إن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كان لا يعرف فصل السورة -وفي رواية: انقضاء السورة- حتى ينزل عليه، بسم الله الرحمن الرحيم).. أي أنه لا يعلم أن السورة انتهت، حتى تأتي بسملة؛ فيعلم أن هذه البسملة مقدمة لسورة أخرى.
وعليه، لو نظرنا بنظرة متفحصة، نجد أن بعض أهل بيت -وهم السلسلة التي أكد عليها النبي: الكتاب، والعترة- أكدوا على أنها واجبة.. فما بال المسلمين يتركون أمرا، أمره دائر بين الجواز، والاستحباب، والوجوب؟.. إذ أن هناك من يقول: بأنه جائز.. وهناك من يقول: بأنه مستحب.. وهناك من يقول: بأنه واجب.. فلماذا هذا التعمد في ترك هذه الآية، التي عبر عنها الإمام الصادق، والإمام الباقر عليهم السلام، بأنها من أعظم آيات القرآن الكريم؟!..
فعلى الأقل نعامل السور معاملة الأمور ذي البال، فلا نبدأ السورة إلا ببسم الله.. ولهذا نلاحظ حتى في عرف المسلمين الأوائل، أن سورة البراءة تميزت بأنه لا بسملة فيها.. فمعنى ذلك أن في ارتكازهم كانت البسملة جزء من كل سورة، وعندما وصلوا إلى سورة براءة، قالوا: بأن هذه السورة لا تحتمل البسملة.. لماذا؟.. لأن هذه السورة مفتتحة بالبراءة، والبراءة لا تتناسب مع الرحمة الإلهية الخاصة، والعامة.. ولهذا فإن هذه السورة كانت الوحيدة في القرآن الكريم، مما حذفت منها البسملة.