إن من النقاط الخلافية مسألة السجود على الأرض عموماً، وعلى تربة الحسين (ع) خصوصاً.
بالنسبة للخلاف الأول: ما هو الواجب أثناء السجود؟.. إن ستة صحاح من المسلمين –صحيح البخاري، وصحيح مسلم، والترمذي، والنسائي، وأبي داود، ومسند أحمد بن حنبل- يروون قول النبي (ص): (جُعِلَت لي الأرض مسجداً وطهوراً).. والطهور: بمعنى أن الأرض يُستفاد منها في الطهور، سواء في التيممِ أو التطهير فيما يطهر بالأرض.. وأما المسجد: أي جعلت لي الأرض محلاً للسجود، فإذا أردتَ أن تسجد فاتخذ من الأرض موضعاً للسجود.. والأرض عبارة عامة تنطبق على كل ما سمي أرضاً، سواء كان في ذلك تراب أو رمل أو صخر، فكلها من مصاديق الأرض.
وفي الكتب الخاصة أيضا ككتاب الكافي والفقيه، فإن هذه الرواية مروية بهذا المضمون، ويبدو أن القضية لم تنحصر بهذا الحديث فحسب!.. فهنالك بعض الوقائع الطريفة حول السجود على الأرض.. رُويَ في كنز العمال (رأى النبي (ص) صهيباً يسجد كأنه يتقي تراب).. فمن المتعارف أن الإنسان عندما يسجد على الصخر، قد لا يبقى شيء من الآثار على وجهه.. ولكن عندما يسجد على التراب أو الرمل، فإنه يغوص وجهه في التراب، وعند رفع الرأس يجد بقايا التراب الذي سجد عليه ملتصقا على وجهه.. (فقال له النبي (ص): ترّب وجهك يا صهيب).. أي اجعله ملطخاً بالتراب!.. ولو جرب الإنسان هذه الحالة في الصحراء، وسجد لله على الأرض، وعفّر وجهه بالتراب؛ فإنه يعيش حالة من حالات التذلل لله عز وجل.
جاء في الإرشاد: أن النبي (ص) يوصي معاذاً قائلاً: (عفّر وجهكَ في التراب)!.. وجاء في سنن النسائي أيضاً، أن النبي (ص) يقول لأبي ذر: (الأرض لك مسجد، فحيثما أدركتَ الصلاة فصلِّ).. وفي أحكام القرآن، يقول النبي (ص) (إذا سجدتَ فمكّن جبهتكَ وأنفكَ من الأرض).. وبعبارةٍ أخرى: في سنن النسائي، ومسند أحمد بن حنبل، وسنن أبي داود: يقول جابر بن عبد الله الأنصاري: (كنت أصلي مع النبي (ص) الظهر، فآخذ قبضةً من حصى في كفي لتبرد، حتى أسجدَ عليها من شدة الحر).. فيبدو أن السجود على التراب -في مسجد الرسول وخارجه- هذه هي الحالة الطبيعية التي كان يمارسها النبي (ص) مع أصحابه، من خلال النصوص والروايات المتقدمة.
فإذن، نحن مأمورون بهذا الأمر، وهذه مسألة واضحة.. وحتى أن كلمة الخُمْرة قد وردت فيما يُنقَل عن النبي (ص) أنه كان يسجد على الخُمْرة.. والخُمْرة: حصير صغير ونحوه، بقدر ما يسجد عليه المصلي.. أما السجود على الفرش، أو السجاد كما في عصرنا، فهذا أولاً: خلاف ما روي عن النبي (ص).. وثانياً: وجدانا -من دون الرجوع للأحاديث- أيهما أقرب للتذلل: السجود على الأرض، أو الرخام، وما شابه ذلك.. أو السجود على ما سوى ذلك؟..
قال هشام بن الحكم: قلتُ لأبي عبدِ الله: أخبرني عما يجوز السجود عليه، وعما لا يجوز.. فقال (ع): (السجود لا يجوز إلا على الأرض، أو على ما أنبتت الأرض.. إلا ما أُكل ولُبس).. فقلت له: جعلت فداك!.. ما العلة في ذلك؟.. قال (ع): (لأن السجود خضوعٌ لله عز وجل، فلا ينبغي أن يكون على ما يُؤكل ويُلبس؛ لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون) -إنها إنتقالة جميلة، فالإمام يقول: أن الناس همهم الأكل واللبس، فإذا أردت أن تسجد، فلا تسجد على ما أنبتته الأرض من الملبوس والمأكول- (والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغترّوا لغرورها).. وهذا أيضاً البعد المعنوي، والأدب الباطني للسجود على التراب.
أما بالنسبة للخلاف الثاني: فبعد ثبوت السجود على التراب –عقلاً ونقلاً- فما هي كيفية الصلاة في مساجدنا، حيث أن السجاد يغطي الأرض تماماً؟.. فليس من المعقول رش التراب في المصلى مكان وضع السجود!.. فالحل إذن هو أخذ قطعة من الأرض نحملها معنا: إما قطعة من الرخام، أوقطعة من الحصى، أو قطعة من تراب منتسب إلى أرض الشهادة، حيث ضمخ فيها الحسين (ع) دمه، وقد كان آخر عهده بربه من الصلوات في يوم عاشوراء.
فهذه التربة الحسينية، هي مظهر للشهادة، ومظهر لإقامة حكم الله عز وجل وفروع دينه، ومنها الصلاة.. فقد خرج لطلب الإصلاح في أمة جده، فهل في ذلك غضاضة؟.. أن يأخذ الإنسان من تلك التربة، ويصلي عليها من دون إلزام.. فأي فقيه ينتسب إلى مدرسة أهل البيت (ع) يفتي بوجوب السجود على التربة الحسينية؟.. لا أحد يفتي بذلك!.. فالمكلف مخير بين السجود على التربة الحسينية، أو السجود على الرخام، أو الصخر ونحو ذلك.. فبدلاً من أن يأخذ قطعة من تراب بيته، يُجلب له قطعة من تربة الحسين (ع) ليسجد عليها.. فهناك من ظن بأننا نسجد للتراب، بينما نحن نسجد على التراب.. ولا نلزم بالسجود على التربة الحسينية، وإنما نعتقد بلزوم السجود على الأرض كما قال النبي (ص) .
الخلاصة: فلو تخلصنا من كل الشوائب التي طرحناها، لرأينا أن الأمر انسيابي ومعقول جداً.. وهكذا لو جلسنا جلسة المتعلمين، والمتأدبين، والمستنين بسنّة النبي (ص).. لما بقي خلاف في هذه الأمة، وقسْ عليه باقي موارد الخلاف.. فلو حكمْنا الله ورسوله، لما بقي خلاف في أمة المصطفى (ص).