إن تراث التفاسير الذى خلفه السلف يختلف بعضه عن بعض في اتجاهاتها ومشاربها إختلافا واضحا، ومنشأ ذلك هو إختلاف مصادر الثقافة التى تأثر بها أصحاب هذه التفاسير، فمن غلبت عليه النزعة الدينية توسع في شرح العقيدة وأركان الاسلام، ومنهم من غلبت عليه الناحية اللغوية من بلاغة وبيان فأولى هذه الابحاث اهتمامه في تفسيره منهم من غلبت عليه النزعة الفقهية التشريعية فانصرف إلى استنباط الاحكام والقوانين الدينية في المعاملات والحقوق والواجبات ومنهم من تعلقت نفسه بالعبادة والتصوف والنظر إلى الحياة الدنيا يعين الزهد فيها والتأمل في تقلباتها والاعتبار بصرفها فاجتهد في تفسير الآيات على منهج الوعظ والتذكير بخشية الله والعمل على مرضاته والاخلاص في طاعته.
وبعض التفاسير القديمة مليئة بالكثير من الآراء التى لا تخلو من الخطأ والصواب والراجح منها والمرجوح والقوى والضعيف، كما أن بعض المفسرين قديمهم حديثهم لهم في تفسير الآيات آراء متعددة ومتشعبة، وقد تكون للآية الواحدة في نظرهم عدة وجوه مختلفة، وواجب المفسر في العصر الحديث أن يمحص ويقارن بين هذه الآراء ويكشف عن الآراء الضعيفة منها ليبين عوامل الضعف والخطأ فيها، وقد يقتضى الامر البحث عن رأى آخر أقرب للحق والصواب دون مجافاة أو معارضة لنصوص الدين ومنهجه ولا بأس من الاستعانة بكل ما هو صحيح تماما من القوانين العلمية.
وبدهى أن القرآن لم ينزل ليكون كتاب طبيعة أو كيمياء أو فلك أو طب أو تاريخ أو غير ذلك من مختلف العلوم بل هو كتاب هداية، لانه لو نزل مفصلا للنظريات العلمية الحديثة لما فهمه العرب الاميون وقتئذ، ولم يؤد القرآن رسالته التى نزل من أجلها وهى نزع الشرك والجهالة والضلال والشرور والمفاسد المتأصلة في النفوس، وقد كانت أكثر الآيات الملكية التى نزلت خلال ثلاث عشرة سنة تدعو بصفة عامة إلى التوحيد ومحاربة الشرك بأساليب الوعد والوعيد والترغيب والترهيب والتفقه في أصول الدين، ثم نزلت الآيات المدنية بعد ذلك لكى تمكن الايمان في القلوب وتدعو إلى أهداف أخرى تقوم على التشريع وتنظيم المجتمع وبث روح الاخوة والتعاون والحض على الجهاد في سبيل الله وغير ذلك من سياسة الجماعات والدول الرشيدة.
وكان النبى صلى الله عليه وسلم إذا وجه إليه أحد سؤالا عن أمور كونية أو مسائل طبيعية أو غير ذلك مما يستلزم الاجابة عليه الدخول في تفاصيل علمية فوق مستوى ثقافة عصره فإن الله سبحانه يوحى إلى رسوله بإجابات سديدة مبسطة تقبلها العقول قبولا حسنا، فمن ذلك مثلا قوله تعالى في سورة البقرة آية 189: يسألونك عن الاهلة قل هى مواقيت للناس والحج) وهكذا يأتى الجواب سهل الفهم كافيا للاقناع بأن اختلاف أوجه القمر هى لحكمة معرفة الاوقات وبخاصة مواقيت الشهور ومواعيد الحج التى تهم السائلين.
وقد جاءت في بعض التفاسير القديمة آراء غير صحيحة وتأويلات خاطئة لا تقبلها العقول السليمة فكان لابد من معارضتها ودحضها بإعادة النظر في تفسيرها على وجهها الصحيح لان السكوت على ذلك وترك القديم على قدمه وخطأه هو نوع من الجمود والتخلف وحجر على العقول والقلوب المتفتحة لرؤية حقائق القرآن بنور العلم والايمان.