ويراد به الاعتقاد بأن الله سبحانه لا يظلم أحداً ولا يفعل ما يستقبحه العقل السليم، وليس هذا في الحقيفة أصلاً مستقلاً بل هو مندرج في نعوت الحق ووجوب وجوده المستلزم لجامعيته لصفات الجمال والكمال فهو شأن من شؤون التوحيد، ولكن الأشاعرة لما خالفوا العدلية وهم المعتزلة والإمامية فأنكروا الحسن والقبح العقليين وقالوا ليس الحسن إلا ما حسنّه الشرع وليس القبح إلا ما قبّحه الشرع، وأنه تعالى لو خلّد المطيع في جهنم، والعاصي في الجنة، لم يكن قبيحاً لأنه يتصرف في ملكه و -لا يسأل عما يعفل وهم يسألون- حتى أنهم أثبتوا وجوب معرفة الصانع ووجوب النظر في المعجزة لمعرفة النبي من طريق السمع والشرع لا من طريق العقل لأنه ساقط عن متعة الحكم فوقعوا في الاستحالة والدور الواضح (أما العدلية) فقالوا ان الحاكم في تلك النظريات هو العقل مستقلاً ولا سبيل لحكم الشرع فيها إلا تأكيداً وإرشاداً والعقل يستقل بحسن بعض الأفعال وقبح البعض الآخر ويحكم بأن القبيح مناف للحكمة، وتعذيب المطيع ظلم والظلم قبيح وهو لا يقع منه تعالى، وبهذا أثبتوا لله صفة العدل وأفردوها بالذكر دون سائر الصفات إشارة الى خلاف الأشاعرة فإن الأشاعرة في الحقيقة لا ينكرون كونه تعالى عادلاً غايته أن العدل عندهم هو ما يفعله وكل ما يفعله فهو حسن، نعم أنكروا ما أثبته المعتزلة والإمامية من حكومة العقل وإدراكه للحسن والقبح على الحق جل شأنه زاعمين أنه ليس للعقل وظيفة الحكم بأن هذا حسن من الله وهذا قبيح منه، والعدلية بقاعدة الحسن والقبح العقليين المبرهن عليها عندهم، أثبتوا جملة من القواعد الكلامية كقاعدة اللطف، ووجوب شكر المنعم، ووجوب النظر في المعجزة، وعليها بنوا أيضاً مسألة الجبر والاختيار وهي من معضلات المسائل التي أخذت دوراً مهماً في الخلاف حيث قال الأشاعرة بالجبر أو بما يؤدي اليه وقال المعتزلة بأن الإنسان حر مختار له حرية الإرادة والمشيئة في أفعاله غايته أن ملكة الاختيار وصفته كنفس وجوده من الله سبحانه فهو خلق العبد وأوجده مختاراً، فكلي صفة الاختيار من الله والاختيار الجزئي في الواقع الشخصية للعبد ومن العبد، والله جل شأنه لم يجبر على فعل ولا ترك بل العبد اختار ما شاء منهما مستقلاً، ولذا يصح عند العقل والعقلاء ملامته وعقوبته على فعل الشر ومدحه ومثوبته على فعل الخير إلا لبطل الثواب والعقاب ولم تكن فائدة في بعثة الأنبياء وإنزال الكتب والوعد والوعيد ولا مجال هنا لأكثر من هذا وقد بسطنا بعض الكلام في هذه المباحث في آخر الجزء الاول من كتاب (الدين والاسلام) وقد أوضحناها بوجه يسهل تناوله وتعقله للأواسط فضلاً عن الأفاضل، وإنما الغرض هنا أن من عقائد الامامية واصولهم ان الله عادل، وان الانسان حر مختار.