الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.
تقديم
المعاد هو الأصل الخامس من أصول الدين الإسلامي الحنيف ، وهو من الأصول المشتركة بين جميع الأديان السماوية بالإضافة إلى أصل التوحيد وأصل النبوة ، وبسبب الاهتمام الشديد به من قبل الكتب السماوية المقدسة وبداهة الاعتقاد به فانك تجد له ذكر في تلك الكتب والى الآن رغم ما نالها من تحريف وتغيير، فمثلاً في كتاب التوراة أو ما يسمى بالعهد القديم تجد مثلاً عابرة ((الرب يميت ويحيي))(1)، و(تحيا أمواتك يوم تقوم الجثث استقضوا ترنموا بإمكان التراب) (2).
وهذه العبارات تشير بنحو ما إلى حصول عملية الأحياء بعد الموت وهو أول مرحلة من مراحل المعاد، وفي كتاب التوراة أو ما يسمى بالعهد الجديد تجد عبارات تشير إلى المعاد والحساب مثل ((هكذا يكون انقضاء العالم، يخرج الملائكة ويفرزون الأشرار من بين الأبرار، ويطرحونهم في النار هناك يكون البكاء، وصرير الأسنان ...)) (3).
أما القرآن الكريم فقد أهتم اهتماماً بالغاً بمسألة المعاد حيث ذكره في مئات الآيات القرآنية الكريمة وبأسماء مختلفة منها ((يوم القيامة، يوم الدين، اليوم الآخر، يوم الحسرة، يوم الحق، يوم الفصل، يوم الحساب، يوم التلاق، يوم الفناء، يوم الوعيد، يوم الخروج، يوم التغابن، يوم البعث، الصاخة، الميعاد)).
وهكذا ورد فيه الآلاف من الأحاديث الشريفة عن النبي (صلى الله وعليه وآله وسلم) وأئمة الهدى من آله (عليهم السلام) كلها تشير إلى حصول المعاد وتعطي بعض التفصيلات عما سيجري فيه من مراحل وكيف يكون حال الإنسان هناك.
وليس هذا الاهتمام البالغ إلا لأهمية الاعتقاد بالمعاد في حياة الإنسان.
أهمية الاعتقاد بالمعاد
قلنا في بداية البحث عن العقائد أنه من اللازم على الإنسان أن يعرف في أول ما يعرف أمرين:
هما مسألة المبدأ ومن أين أتى هذا الوجود، ومسألة المعاد والى أين سينتهي هذا الوجود وما هو مصير الإنسان بعدما يموت ويصبح جسده كالتراب، وإذا ملك الإنسان خبراً عن هاتين المسألتين فان علمه بهما سيؤثر تأثيراً بالغاً على سلوكه ونمط أفعاله بينهما أي من حين الولادة والوجود في هذا العالم والى حين الممات والانتقال عن هذا العالم.
وتوضيح ذلك:
إن للإنسان العاقل في جميع أفعاله وأعماله أهداف وغايات يطمح دائماً إلى تحقيقها والوصول إليها، وهذه الأهداف قد تختلف من إنسان إلى آخر، وهذا الاختلاف بطبيعة الحال خاضع لمجموعة من العوامل والمؤثرات وأهمها ما يحمله الإنسان من فكر واعتقاد ولو حللنا هذه المسألة أكثر نجد أن الإنسان دائماً يسعى وراء ما يحقق له الصراحة والاستقرار والسعادة الدائمة، لا أن أدراك ومعرفة ما يحقق له ذلك يتفاوت من إنسان لآخر، فبعض الناس تعتقد أن الأموال هي التي تحقق له ذلك فتجده دائماً يسعى إليها ويحاول تحصيلها بأي طريقة كانت، وبعض الناس يتصور أن السلطة والمنصب هو الذي يحقق له ذلك فيسعى دائماً لتحصيلها، وبعض الناس يتصور أن الجاه والشهرة هي التي تحقق ذلك فيطلبها وهكذا.
وإدراك ومعرفة ما يحقق هذه السعادة للإنسان خاضع بشكل مباشر لما يحمله الإنسان من علم ومعرفة وخاصة تلك المعرفة التي تتعلق بحقيقة نفسه وما يحقق تكاملها على ضوء ما يحمله من علم واعتقاد عن نفسه من حيث المبدأ والمنتهى، أي أنه من أين وجد ومن الذي أوجده، والى أين سينتهي به هذه الحياة وما هو مصيره بعد الموت. وأبحاث التوحيد وما لحقها تكلفت ببيان ما هو المبدأ لهذا الوجود والإنسان وصفات وخواص هذا المبدأ، ويحث المعاد بين المنتهى الذي سيؤول إليه هذا الإنسان، وطبيعة الاعتقاد بهذين الأمرين توثر تأثيراً بالغاً في تعيين الغاية لأفعال الإنسان أو معرفة ما يحقق السعادة والراحة الدائمة، وبالتالي يكون لها تأثيراً كبير على طبيعة سلوك الإنسان ونوع أفعاله، فكل من يعتقد أن وجوده كان من قبل الله سبحانه وتعالى وسينتهي به الأمر إليه كذلك يجزى بما عمله في حياته سيؤمن بان كل ما يحقق طاعة الله وكسب رضاه والقرب منه هو الذي يؤدي به إلى السعادة والراحة الدائمة، ولذلك سيحاول أن ينظم أعماله ويضبط سلوكه دائماً في طريق الطاعة لله سبحانه وتعالى وسيتحصل كل المصاعب، والمصاعب في الحياة الدنيا التي يواجهها في هذا الطريق، وأما ذلك الذي يعتقد أنه وجد من المادة وسينتهي وجوده بموته وفناء تلك المادة فسيختلف سلوكه تماماً لأنه سيحاول تحصل كل ما يتصور أنه يحقق له الراحة في هذه الحياة حتى وان استلزم ذلك التعدي على الشرائع والقوانين الإلهية، ولا ينحصر تأثير هذا الاختلاف في المعرفة والاعتقاد على الحياة الضرورية والتصرفات الشخصية، بل ينعكس تأثيره حتى على الحياة الاجتماعية ونوعية العلاقات بين أفراد المجتمع، فان الاعتقاد بالمعاد والحياة الأخروية وبالعقاب والثواب الدائمين فيها له دور مهم في رعاية حقوق الآخرين والإحسان ورعاية المحتاجين والمحرومين وسوف لن تحتاج الحكومة التي تحكم مثل هذا المجتمع المؤمن إلى استخدام القوة كثيراً في تطبيق القوانين والأحكام العادية وبخلاف ذلك ما لو كان أفراد المجتمع هم المصالح الشخصية والراحة الدنيوية ومن خلال ما ذكرنا يتضح لنا أهمية معرفة المعاد والاعتقاد به، فمتى الاعتقاد بالتوحيد من دون اقترانه بالاعتقاد بالمعاد سوف لن يكون له ذلك التأثير الكبير والشامل في توجيه الحياة الفردية والاجتماعية الوجهة الصحيحة التي يريدها الله سبحانه وتعالى.
ــــــــــــــــــ
(1) صموئيل الأول: الإصحاح الثاني: الجملة (6).
(2) أشيعا: الإصحاح 26: الجملة (19).
(3) إنجيل متى الاصحاح13: الجملتان 49 ـ 50.