كلنا يعتقد بوجود الله وتعالى، خالق السماوات والأرض وما فيهما من حيوان ونبات وجماد..
كلنا يعتقد أن الله تعالى واحد أحد، فرد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد..
كلنا يعتقد أن الله تعالى قادر على كل شيء، عالم بكل شيء، محيط بكل شيء، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، أزلي في وجوده، أبدي في بقائه، لا يحويه مكان، ولا يخلو منه مكان، كل شيء خاضع لربوبيّته، منقاد لمشيئته..
كلنا يعتقد أن الله تعالى عادل لا يظلم، رحمن رحيم، له الأمر والحكم، وبيده الخلق والرزق، يعزّ من يشاء، ويذّل من يشاء، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، وهو اللطيف الخبير.
كلنا يعتقد أن الله تعالى شرع للناس منهاجاً، يضمن لهم خير الدنيا والآخرة، فالسعيد من أطاع مولاه، والشقي من اتبع هواه..
هذه عقيدتنا بالله تعالى، فما أثرها في سلوكنا؟
التوحيد النظري:
إن قسماً من الناس يؤمن بالله تعالى، ولكنه لا يلتزم بمقتضيات هذا الإيمان… فقد يكذب أو يظلم، أو يسرق أو يغش، أو يقتل أو يعتدي، أو يخون أو يتجسس، أو يقصّر في عمله، أو يتهاون في واجباته..
وقد نجد قسماً من الناس يؤمن بالله تعالى، ولكنه قد لا يصلي أو لا يصوم، أو لا يحج أو لا يؤدي الزكاة، وقد يجمع بين أداء الفرائض وارتكاب المنكرات، كإقامة الصلاة والتعامل بالربا في آن واحد!!
إن هؤلاء وأمثالهم، يرون (التوحيد) فكرة نظرية، فإيمانهم بالله إيمان سطحي أجوف، لا يسيطر على حياتهم، ولا يتحكم في تصرفاتهم، فهم يتصرفون بأموالهم ـ مثلاً ـ كما يشاؤون، في كسبها أو إنفاقها، وفي كنزها أو تبذيرها..
وإن هؤلاء يتوهمون أن مجرد الإيمان بالله كافٍ، وليس أداء العبادات إلا قشوراً لا أهمية لها!!
وهم يتوهمون أن من حق الإنسان أن يعيش كما يحب ويهوى، وأن يقيم علاقاته بالله وبنفسه وبغيره كما يشاء، دون التزام بما أوحى الله تعالى به من تشريعات وتعاليم..
التوحيد العملي:
إن المؤمنين بوحدانية الله حقاً، يرون الله تعالى معهم دائماً، معهم في عباداتهم وتعاملهم مع الناس، معهم في السر والعلن، لأنه سبحانه "بَعُدَ فلا يُرى وقرُب فشهد النجوى"..
وإن الموحدين حقاً، يخشون ربهم في جميع تصرفاتهم، فيما لهم وفيما عليهم، لأنه سبحانه {عالِمُ الغَيبِ والشَّهادَةِ}. (الأنعام/73)
وإن الموحدين حقاً، يتصرفون بكل ما يملكون باعتبارهم مستخلفين، لأن المالك الحقيقي هو الله تعالى، له ما في السماوات وما في الأرض، فهم يؤتون زكاة أموالهم، ويؤدون الحق المعلوم للسائل والمحروم..
وإن الموحدين حقاً يتقنون أعمالهم، ويؤدون واجباتهم بكفاءة وإخلاص لأن "الدين النصيحة" ولأن {السَّمعَ والبَصرَ والفُؤادَ كُلُّ أُولئك كانَ عَنهُ مَسؤُولاً}. (الإسراء/36)
وإن الموحدين حقاً، يتبعون الرسول محمداً (ص) في كل ما بلّغ عن ربه، وما جاء به من عنده، من قرآن وسنّة، {ومن يبتغِ غيرَ الإسلامِ ديناً فلن يُقبلَ منهُ وهوَ في الآخرةِ منَ الخاسرين}. (آل عمران/85)
يا أُمة محمد (ص):
إن التوحيد أساس الإسلام، وقاعدة عقائده، وأصل أحكامه، وعنه تتفرع الأخلاق الإسلامية الفاضلة.
وإن توحيد الله تعالى يعني تحري طاعته وتجنب معصيته، والطاعة والمعصية تتحققان في طبيعة علاقات الإنسان: علاقاته بربه، علاقاته بنفسه، علاقاته بالناس..
وإن تنظيم هذه العلاقات لا يعرف بالهوى أو بالتصويت، وإنما بالتمسك بالشريعة السهلة السمحاء، تُقِرُّ بها ألسنتنا، وتنعقد عليها قلوبنا وتخضع لها جوارحنا..
وإن التمسك بالشريعة الغرّاء يلزم أن يكون طاعة لله تعالى، كاملة من غير زيادة أو نقصان، على الدوام من غير تردد، في البيت والمتجر والمصنع والحقل، في الشارع والمسجد، في السماء والبر والبحر..
لأن التمسك بالإسلام سبيل الوحدة والسعادة، وطريق العزة والكرامة، يجلب كل الخير للناس جميعاً، ويدرأ عنهم كل المفاسد والشرور، ويحقق لهم حياة طيبة رغيدة، ويضمن لهم النعيم الأبدي في دار القرار..
{قُل إنَ صَلاتي ونُسُكي ومَحيايَ ومَماتي للهِ ربِّ العالَمينَ * لا شَريكَ لهُ وبذلكَ أُمِرتُ وأنا أولُ المسلِمين}. (الأنعام/162ـ163)