والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم اجمعين إلى قيام يوم الدين
ونحن على أبواب حلول أحد الأعياد الإسلامية وهو عيد الغدير المبارك، أقدّم أزكى التهاني والتبريكات للمؤمنين واسأل الله تعالى ان يجعلنا من المتمسكين بولاية الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وان يميتنا على ولايته وان يجعلنا من خدمة هذا المذهب الشريف.
في تصوري ان هناك بعض الكلمات التي تنسجم مع هذه المناسبة أكثر من بحث الزمان الذي نحن فيه، فهناك مقولة تتردد في بعض الأوساط الشيعية في عالمنا المعاصر، وربّما تكون هذه المقولة بنفسها قد قيلت في حِقب زمنية سابقة علينا ومؤدّى هذه المقولة هو: ان البحث عن الإمامة لا فائدة فيه وذلك لانه بحث تأريخي صرف لا داعي لإثارته الآن وفتح هذا الملف لانه لا نجني منه سوى الفرقة، ثمَّ هذا البحث أصلاً لا ينسجم مع الدعوات التي تبنّاها علماء الشيعة للوحدة بين المسلمين والتقريب بين المذاهب الإسلامية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ان هذه المقولة تدعو إلى أن يكون الإنسان عملياً في تفكيره وقراءاته وعملياً في طروحاته وعند جلساته يتناول القضايا المعاصرة التي تهمّه وتطوّر حياته، ويتناول المشكلات التي يعيشها لكي يفكّر في حلٍّ لها، وأما إثارة مسألة الإمامة وخلفياتها وما جرى في الصدر الأول من الإسلام فلا فائدة منها الآن، لأن أمير المؤمنين (عليه السلام) ليس حيّاً لكي يتسلّم زمام الأمور وليس الآخرون الذين غصبوا حقه أحياء كي نحاكمهم على جريمتهم.
فالقضية في ذمة التأريخ ومن المحبّذ عدم طرحها حفظاً لوحدة المسلمين.
هذا طرح للمقولة، وهناك طرح وصياغة أخرى لهذه المقولة وهي: أنه لنكتب ونتبّنى وننظّر لإسلام بلا مذاهب، فهذه الخصوصيات التي جعلت من المسلمين فِرقاً ومذاهب لابد أن نغفلها ونتناساها وندعها على جنب ونلتقي كلنا كمسلمين على الإسلام المشترك بيننا ونغض النظر عن كل الخصوصيات وكفانا ما لاقيناه من الفرقة من مشاكل وفتن، فالطريق الاسلم ان نتبّنى اسلاماً بلا مذاهب.
وقد توجد لهذه المقولة طروحات وصياغات أخرى ترجع كلها إلى محتوى واحد وعلى المؤمنين تمييز ذلك ومعرفته بدقه.
وفي مقام الإجابة عن هذه المقولة نقول ان هناك طريقين للإجابة:
الطريق الأول: ان نأتي إلى المسألة من داخلها، يعني نتناول قضية الإمامة بنفسها فنتعرّف على حقيقة الإمامة والأدلة عليها والضرورة عليها والخلفيات الفكرية لمسألة الإمامة والتاريخ الذي عاشته قضية الإمامة .
الطريق الثاني: ان نأتي إلى حدث الإمامة وحدث يوم الغدير من الخارج يعني من خلال النصوص القرآنية والروايات الشريفة والسيرة التي كان أئمتنا (عليهم السلام) عليها، أو من خلال تاريخ الشيعة، فنرى هل أن حدث الإمامة من الأحداث الطبيعية التي يمكن التغافل عنها وتناسيها أو ان الحدث أعظم من ذلك والمسألة مسألة مركزية لا يمكن التغافل عنها بأي شكل من الاشكال، وهي مسألة حياتية قبل ان تكون قضية تأريخية و سوف نعطي لذلك ثلاثة نماذج .
النموذج الأول: في قنوت صلاة العيد نقرأ هذه العبارة: (اللهم بحقّ هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً ولمحمدٍ ذخراً وشرفاً وكرامة ومزيداً).
فهذه العبارة كما هو واضح تنبأ عن أهمية هذا اليوم وعظمته، لانه مجعول للمسلمين قاطبة، ومجعول لأشرف الخلق ذخراً وشرفاً وكرامة ومزيداً، فالله عزَّ وجلّ جعل هذا اليوم للإنسان الكامل وهو الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ذخراً وشرفاً وكرامة ومزيداً.
فالذي يريد ان يدرس قضية العيد وأهميته وفلسفته فواحدة من الكلمات التي تؤدي بذلك هو الفقرة المتقدمة.
هذا بالنسبة إلى عيد الفطر والأضحى، ولكن لو رجعنا إلى روايات أهل البيت (عليهم السلام) لوجدنا بعضها يعبّر بان عيد الغدير هو (عيد الله الأكبر) (1).
فتأمل في لسان هذه الرواية وأمثالها:
فأولاً: ان النسبة إلى الله عزَّ وجلّ أي نسبة العيد إلى الخالق جلّ أسمه.
وثانياً: عبّرت الرواية بـ (الاكبر).
فهنا أقول قبل معرفة حقيقة الإمامة: ان هذا الحدث هل هو حالة طبيعية أم حادثة غير طبيعية؟!.
وكيف تكون حالة طبيعية مع ان هذه الروايات تعبّر عن عيد الغدير ـ الذي تم فيه تنصيب الإمام (عليه السلام) على منصب الخلافة والإمامة ـ بعيد الله الأكبر.
فما هذا اليوم وما هذا الحدث وأي قضية فيه بحيث يكون اكبر من قوله: (جعلته للمسلمين عيداً ولمحمدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم) ذخراً وشرفاً وكرامة ومزيداً) ؟. فهنا بأقل تأمل سوف يسترعي الإنسان انتباه انه يوجد شيء اعمق من القضية التاريخية.
النموذج الثاني: ورد في القرآن الكريم: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) (ابراهيم: 34) وواضح أن هذه الآية تقول ان نِعم الله التي أنعمها غير قابلة للعدّ، وواقع نِعم الله على الإنسان كذلك فأبتداء من أصل وجود الإنسان، وانتهاءاً بالطبيعة التي سُخّرت إليه، وبالأنبياء والرسل والآخرة الذي هو مقبل عليها، فواقعاً هذه النعم تفوق حدِّ الإحصاء، وأنا في إحدى المرات قلت لبعض الأخوة: ان الإنسان لو أراد ان يتصّور نعم الله سبحانه وتعالى لمدة خمس دقائق لشعر بالاختناق فيغرق في بحر نعم الله عزَّ وجلّ فنفس نعمة الوجود أعظم النِعم، نعم قد نعاني من مشكلات حياتية ولكن لو حاول الإنسان ان يفكّر بعقلانية لأدرك نعمة الوجود العظيمة، فقيل ـ أنا لم أر هذه الرواية ـ انه ورد في إحدى الروايات: انه يعرض على المخلدون في جهنّم هل يرويدون البقاء أم يفنون ويعدمون؟ فجاء الجواب: بل نبقى على حالنا، فمن هنا نعرف نعمة الوجود.
هذا بالنسبة للوجود فكيف بالنسبة لبقية الكمالات الثانوية (2)، وهكذا باقي النعم التي هي فوق حدّ الاحصاء ـ كما عبّرت عنها الآية ـ، ولكن مع هذا كله تأتي الآية الشريفة، وتقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) (المائدة: 3) فهذه النعم اللامتناهية تبقى ناقصة غير تامة حتى تمت بعيد الغدير وحدث الإمامة وقضية الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).
فالإنسان لو تأملّ قليلاً لشعر ان قضية الإمامة ليست مجّرد قضية تاريخية أو مسألة سطحية يمكن التنازل عنها لأجل وحدة أو تقريب أو ما شابه ذلك بل هي قضية حياتية تمثل تمام نعمة الله عزَّ وجلّ.
وليس هذا فقط أي ليس في الولاية إتمام النعمة بل إكمال الدين حيث قالت الآية: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) (المائدة: 3) فلاحظ عمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) العظيم فنشر الإسلام، وانقذ العالم من الجاهلية فكل هذا غير تام وتمامه بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، فهذا معناه ـ كما هو واضح ـ انه بدون هذه القضية وهي الولاية لا يرضى الله الإسلام للناس ديناً.
فهذه الآية العجيبة وحدها ـ لو تأمّل الإنسان ـ تكفي لإدراك عظمة هذا الأمر وانه فوق الميول والاتجاهات.
فحتى لو أمير المؤمنين (عليه السلام) استشهد والفريق المقابل له قد مات فهذا لا يعني نهاية القضية بل هي تعيش معنا لحظة بلحظة، بل هذه الولاية هي جزء من ديننا وذلك بصريح الآية حيث عبّرت بإكمال الدين بها، أي الإمامة الجزء المكمّل للدين فهي جزء مهم من الدين وهي لا تزال تعدّ جزءاًَ من أجزاء الدين.
النموذج الثالث: لو اتينا إلى الروايات المباركة نجد انها تتكلم عن الإمامة بطريقة تأخذ بالألباب وتشخص لها القلوب قبل الابصار، ويمكن تقسيم هذه الروايات لأكثر من طائفة:
الطائفة الأولى: هذه الطائفة تعبّر بـ(لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها) (6).
وهذا معناه ان قضية الإمامة قضية مصيرية في وجود الإنسان حيث انه مرهون بها. فالتنازل عن الإمامة معناه التنازل عن نفس وجودنا، أويمكن التنازل عن وجودنا، كيف هذا؟!.