للإيمان بالله سبحانه وتعالى أهمية كبرى في حياة الإنسان ، وذلك لأنّ القانون الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي يريد أن يتبعه، ويرجو به السعادة في الدنيا، يعتمد على ذلك بشكل كامل . كما أنّ سعادة الإنسان في الآخرة ونجاته من العذاب والهلاك تعتمد على مدى إيمانه بالله سبحانه وتعالى والتزامه العملي بذلك. إذاً هي مسألة في غاية الأهمية ، ويمكن القول بأنّه لا يوجد في حياة الإنسان ما هو أهمّ منها ، لأنّ فيها السعادة والنجاح في الدنيا ، والنعيم الخالد في الآخرة.
أدلة إثبات وجود الله سبحانه و تعالى:
توجد عشرات الأدلة و البراهين في إثبات وجود الله سبحانه و تعالى ، نلخصها في ما يلي:
1- دليل الفطرة.
2- الأدلة الحسية و العلمية (من خلال دراسة نظام المخلوقات):
• دليل النظم.
• دليل الهداية الذاتية للمخلوقات.
• دليل الحدوث ونفي القدم عن العالم.
• دليل الاستقراء ونفي الصدفة والاحتمال.
3- الأدلة العقلية و الفلسفية:
• برهان الحركة لـ(أرسطو).
• برهان الإمكان والوجوب لـ(ابن سينا).
• برهان الصديقين لـ (الملا صدر الدين الشيرازي).
• دليل العلة والمعلول ونفي الدور والتسلسل.
• برهان الوجوب والضرورة.
4- الأدلة القرآنية: وهي كثيرة ، ومن أهمها:
• برهان الفقر والإمكان للمخلوقات.
• الأفول والغروب ودلالته على وجود مسخر.
• الآيات في الآفاق والأنفس.
• برهان النظم.
• برهان التدبير.
أولاً: (دليل الفطرة)
تعريف الفطرة:
في قاموس اللغة: ( الفطرة تعني الخلقة التي خلق عليها المولود في رحم أمه)
وفي أقرب الموارد: ( الفطرة هي الصفة التي يتصف بها كُلّ مولود في أول زمان خلقته ).
فإذن معنى الفطرة هو: الطبيعة الجسمية والنفسية التي يخلق بها الإنسان، إذ يولد في الدنيا وتولد معه الغرائز والأحاسيس والعواطف والقابليات. إنها الإنسان بما هو، قبل أن يتأثر بأفكار أسرته ومعلمه ومجتمعه.
شرح الدليل:
ودليل الفطرة يعتمد على أنّ الإنسان لو ترك وذاته، بدون معلم أو مربي، فإنّه يشعر في أعماق نفسه ، وبما أودعه الله في خلقته بأنّ لهذا الكون خالقا خلقه ، ومكوناً كونه ، ومبدعاً أبدعه ، ومدبراً دبره. هذا الشعور نابع من فطرته وذاته وليس مما تعلمه من والديه وأهله. يولد معه، وينمو معه، ويبقى معه. لا يتغير بتغير الظروف، ولا يمكن انتزاعه من نفسه، لأنّه جزء لا يتجزأ منها. فكما أنّ غرائز الإنسان ذاتية له لا يمكن فصلها عنه ولا تحتاج إلى تعليم معلم ، وكما أنّ عواطف الإنسان وأحاسيسه جزء من خلقته وكيانه البشرى ، فإنّ شعوره الفطري الذاتي يدفعه دائما إلى الإيمان بأنّ لهذا الكون خالقاً ومدبراً وربّاً.
ولو افترضنا إنساناً يولد في الصحراء بعيداً عن تعليم الأهل والمجتمع، ثُمّ يكبر هذا الإنسان حتى يبلغ سنّ الرشد ، فإنّه كما يعرف غرائزه وأحاسيسه، فسيعرف أنّ له ربّاً وخالقاً، خلقه وأوجده من العدم . وكما يعرف أنّه يحتاج إلى الطعام لسدّ جوعه ، وإلى الشراب لإرواء عطشه ، وإلى الجنس لإطفاء شهوته ، وغيرها من الغرائز في ذاته، فإنّه ليعرف كذلك من خلال فطرته بأنّه بحاجة إلى خالق لخلقه، وموجد له يوجده من العدم. أنّه يبحث بذاته ويتساءل: من أين جاء؟ والى أين سيذهب ؟ ، ولماذا هو في هذه الدنيا؟ ولابدّ أن يكون له خالقاً خلقه وكوّنه وأبدعه. فهو يؤمن بوجود الله سبحانه وتعالى ويتوجه إليه في حاجاته- وخصوصاً عند الشدائد- بدون حاجة إلى من يعلمه ذلك .
هذه خلاصة دليل الفطرة، ولإثباته وتوضيحه لابدّ لنا أن نتعرّف على الفرق بين الفطرة والغريزة لكي لا يلتبس الأمر علينا .
الفرق بين الفطرة والغريزة:
الفطرة هي أشمل من الغريزة إذ تجمع بين الغريزة والأحاسيس ، والأفكار والمعلومات الأولية التي يعرفها كُلّ إنسان بدون حاجة إلى معلم ومربي ، وهي العلوم البديهية الضرورية ، ويشترك فيها كُلّ إنسان لأنّها جزء من إنسانيته ، ومما يمتاز به عن غيره من المخلوقات الأخرى مثل الحيوان والملائكة والجنّ.
والفطرة تدفع الإنسان نحو الكمال والرقيّ ، بينما الغرائز لا جهة لها سوى تأمين الحاجة الإنسانية المعينة التي يحتاج إليها جسمه .
والفطرة تهتدي بهدى العقل ، أمّا الغريزة فهي لا ترجع إلى المعرفة لأنّها أحاسيس جسمية ، ولكنّ العقل يمكنه أن ينظمها ويرشدها إلى الكمال الإنساني .
الفرق بين المعرفة الفطرية والمعرفة غير الفطرية (الاكتسابية) :
من الضروري هنا أن نعرف الفرق بين المعرفة الفطرية والمعرفة غير الفطرية (الاكتسابية) لكي نطمئن إلى أنّ الإيمان بالله من الأمور الفطرية وليس من رواسب البيئة والتربية . وهذه الفروق هي ما يلي:
1- المعارف الفطرية تتحقق بوحي الفطرة وهدايتها ولا تحتاج إلى تعليم معلم لتحققها ، ويكون دور المعلم تربيتها وتهذيبها.
أمّا العلوم والمعارف غير الفطرية مثل تعلم الطب والهندسة والتاريخ والآداب وغيرها، فإنّها تحتاج إلى تعليم معلم لكي يتعلمها الإنسان وبدونه يبقى جاهلا بها.
2- العلوم والمعارف الفطرية عامة لكلّ البشر وتوجد في كُلّ إنسان بغضّ النظر عن ثقافته أو موقعه الجغرافي ، أمّا الأمور غير الفطرية فهي تختصّ ببعض الناس دون غيرهم ، فمن أمكن له أن يتعلمها عرفها ، ومن لم تسنح له الفرصة لذلك يبقى جاهلا بها.
3- المعارف الفطرية ، لا تخضع للعوامل الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها ، أمّا المعارف والأمور غير الفطرية فإنّها تتأثر بالعوامل المختلفة لأنّها اكتسابية .
4- الدعاية والإعلام قد تضعف أثر القناعات الفطرية ولكن لا يمكنها أن تزيلها كلياً لأنّها جزء لا يتجزأ من الإنسان ، أمّا العلوم غير الفطرية فإنّها قد تستأصل كلياً بالدعاية وما تسببه من غسيل لدماغ الإنسان وتغيير في أفكاره وقناعاته ، وذلك لأنّها مكتسبه ويمكن استبدالها بمفاهيم وعلوم مكتسبة أخرى تتغلب عليها.
الفطرة وعلم النفس:
يقوم علم النفس على دراسة النفس الإنسانية من جوانب مختلفة. ويذكر علماء النفس للإنسان ميول وأحاسيس طبيعية متعددة يختلفون في تحديدها وعددها ، ولكنهم متفقون بشكل عام على أنّ الإنسان له الأحاسيس الفطرية التالية:
1- الإحساس باللذة والألم
2- الإحساس بالعواطف والشهوات.
3- الميول الشخصية مثل حبّ الذات والرغبات الجنسية التي هدفها الإنسان نفسه .
4- الميول الراقية التي تدفع الإنسان نحو الكمال مثل:
• حبّ الاستطلاع والبحث عن الحقيقة الذي يدفع الإنسان لاكتشاف العلوم المختلفة ويؤدي إلى التقدم العلمي.
• حبّ الجمال: ويدفع الإنسان إلى الإبداع في مجال الفنّ والرسم والتخطيط الاجتماعي للبيوت والمدن.
• حبّ الخير: وهو سبب وجود الأخلاق الفاضلة والصفات الإنسانية الحميدة .
• حبّ التدين: وهو الإحساس بوجود الله سبحانه وتعالى الذي يدفع الإنسان إلى الإيمان به والالتزام بالدين الذي أنزل من الله سبحانه وتعالى.
ومن هنا نرى أنّ الفطرة الإنسانية تجد في أعماقها دافع الإيمان بالله سبحانه وتعالى وحبّ الالتزام بالدين ، مثلما تحس بأهمية الأخلاق الفاضلة وحبّ الجمال والاستكشاف للعلوم الطبيعية الذي أدّى إلى تطور البشرية في المجالات التقنية والعلمية. فالدين والأخلاق وحبّ الاستطلاع وحبّ الوطن كلها قيم إنسانية حقيقية تنبع من ذاته وفطرته ولا تحتاج إلى تعليم معلم ، بل تحتاج إلى تهذيب وتوجيه لكي تقود الإنسان إلى الكمال والرقى والتقدم والسعادة والرفاه.