فلسفة الطهارة
النظافة والطهارة مبدءان أساسان من المبادئ التي اعتنت بها التربية الإسلامية وتناولها التشريع باهتمام وعناية، فصارت بذلك سمة أساسية من سمات الفرد والمجتمع الإسلامي.
فالفرد المسلم نظيف طاهر، يعتني بنظافة جسمه وثيابه وشعره ومظهره وبيته وأدواته.
والمجتمع المسلم يحافظ على النظافة العامة.. نظافة الشارع والبيت والساحة وأماكن العمل والمساجد والمطاعم والمقاهي.. الخ
وكم كان اهتمام الإسلام بالغا ودقيقا في تحقيق هذه التربية وتركيز الحفاظ على النظافة والطهارة في نفس المسلم ووعيه.فقد ورد في الحديث الشريف ما يحث المسلم على ذلك ويدعوه إلى الالتزام به : ( إن الله طيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود).
فالنظافة والأناقة والجمال هي أبرز ظاهرة في حياة الفرد والمجتمع المسلم المادية.
والنظافة هي غير الطهارة في عرف الشرع، ومصطلحه، فهو يريد بالطهارة : الوضوء والغسل والتيمم، لأنها رافعة للحدث.. كالجنابة والحيض وخروج البول والريح والغائط..الخ..على نحو حدده الفقه الإسلامي وبينه بوضوح (1).
والطهارة في الإسلام تتوقف عليها أعمال كثيرة منها أعمال تعبدية ـ كالصلاة والصوم ودخول المسجد والطواف حول الكعبة..الخ.
ولم تقف عناية الإسلام بالطهارة عند حد العناية بالطهارة المادية، والحفاظ على طهارة الجسم واللباس والأدوات والأشياء المادية الأخرى..بل وتركزت عنايته ـ وبشكل اهتمام بالغ ـ وتطهيره من الحقد والنفاق والرياء والجشع والظلم والشرك..ومن كل الأخلاق والمعتقدات المنحرفة الفاسدة ليصنع الإنسان النظيف الطاهر في باطنه وظاهره.
لذلك نجد القران الكريم يحث على طهارة النفس ويؤكدها، كما يحث على الطهارة المادية ويدعو إليها :قال الله تعالى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم }.(التوبة ـ 103)
{… لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه، فيه رجال يحبون أن يتطهّروا والله يحب المطّهرين }.( التوبة ـ 108)
{ويسألونك عن المحيض قل هو أذىً فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتى يطهّرن فإذا تطهرّن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهّرين}. (البقرة 222)
{ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنباً فاطّهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم و أيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهّركم وليتمّ نعمته لعلّكم تشكرون}.( المائدة ـ 6)
فالقرآن في كل ذلك يؤكد الدعوة إلى طهارة النفس بالتوبة والبذل والعطاء من المال والاستزادة من أعمال البر والخير.. كما يدعو إلى التطهير المادي بالماء وصعيد الأرض..وجعل كل ذلك فريضة واجبة على المسلم. ليصنع الإنسان الطاهر والمجتمع النظيف من القاذورات والأوساخ والميكروبات التي تفتك بالجسم والصحة العامة، وتشوه جمال الحياة وأناقتها. وليبني إنسانا نظيف القلب لا تعرف روحه التلوث ولا تعلق بها أدران الفساد والانحراف. فالله يكره القلب الخبيث، وليس للخبيث موقع إلا في جهنم والعذاب:{ليميز الله الخبيث من الطّيّب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً في جهنم أولئك هم الخاسرون}. (الأنفال ـ 37)
وهو سبحانه يبغض المظهر الوسخ القذر ويكره صاحبه.. فالقذارة تشوه جمال الخلقة وتعبث بنظام الحياة، وتخلق جوا من الكراهية والاشمئزاز، لذلك عبر الرسول (ص) عن هذه الحقيقة فقال : ( بئس العبد القاذورة).وقال: (إن الله يبغض الوسخ الشعث).